الانسان بين ما يدرك وما لايدرك تائه حيران، يقع في تناقضات بين الايمان بحواسه وثقته بها وبين الايمان بغيبيات يستلزم الايمان بها نقص في الايمان بالاولى، لما لا وهو مسير الى عدم الادراك بها والغياب عن الوعي بها على الاقل الربع من عمره اما نائمًا او مريضًا عاجزًا.
المصير المجهول والعالم الآخر الذي بمرور كل لحظة يقبل بها عليه الانسان وما خلفه من تساؤلات لا اجابة لها غير ما توصل اليه الانسان وكونَه بالتماشي مع ثقافته وبيئته فتعددت الآلهة والاديان حتى صار الصراع بين اتباعهم جميعًا صراع على اهانة الانسان لحواسه وعقله في سعي حثيث الى امتلاك المصير .. الى امتلاك حقيقة في حقيقتها هي وهم يطمئن الانسان به نفسه ويهرب به الى الامام في محاولة للالتفاف على عقله وادراكه.
يقف المسكين حائرًا في وجود لم يكن له خيار فيه، جاء الى الوجود مجبرًا مقيدًا بقواعد واعراف وتقاليد ودين، اليس من العدل أن يخيَر بقبول عقد اذعان للاله او البقاء في العدم حيث لم يكن بعد؟
حُكم على المسكين بوجوده جبراً بقبول عقد الاذعان للاله واصبح من حوله اوصياء مفوضين من الواجد، فكل محاولاته للتمرد الباعث لها هو الشيطان وكل محاولاته لبيان انه جاء الى هذا المجتمع واعتنق هذا الدين والتزم بهذه العادات والتقاليد هو محض صدفه لا يد ولا اراده له فيها تقابل باستهجان واستنكار فقالوا أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا !
وما كانت الاديان الا محاولات تمرد وخروج عن المألوف وما كان الامر بالتعقل والتبصر والتأمل الا محاولة لإيقاظ المسكين من غفلته التي قادته الى الايمان بحجر!
لكن سرعان ما يعود المسكين الى غفلته ويصنع اصناما جديدة لكلمات واوراق كانت وما زالت تحثه على التفكر والتعقل والتبصر والتأمل فانتزع منها المعنى وابقى على الجماد وقدسه وعبده.
تكمن الاشكالية في خمول الاغلبية وتقبلها للواقع حولها واحساسها بالخطر والتهديد المباشر من اي محاولات تمرد، فيجب التمثيل بالخارج عن القطيع وجعله عبره وما اكثر العبر!